القاعدة 44. يجب إيلاء العناية التامة أثناء استخدام أساليب ووسائل القتال لحماية البيئة الطبيعية والحفاظ عليها. وتُتخذ كل الاحتياطات الممكنة أثناء العمليات العسكرية لتجنب الإضرار العارض للبيئة، وفي كل الأحوال، التقليل منه إلى أدنى حد. ولا تعفي قلة الدراية العلمية بالآثار التي تخلفها عمليات عسكرية معيّنة على البيئة أي طرف في النزاع من واجب اتخاذ مثل هذه الاحتياطات.المجلد الثاني، الفصل 14، القسم ب.
تكرّس ممارسة الدول هذه القاعدة كإحدى قواعد القانون الدولي العرفي المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية، وأيضاً، بشكل قابل للجدل، في النزاعات المسلحة غير الدولية.
تظهر ممارسة الدول أنّ الحماية الواجب منحها للبيئة أثناء النزاعات المسلحة لا تنجم عن تطبيق القواعد التي تحمي الأعيان المدنية على البيئة فحسب، وإنما أيضاً عن إقرار بالحاجة لتوفير حماية خاصّة للبيئة بصفتها هذه. وقد كان الإقرار بالتعرية الخطرة التي سببتها البشرية للبيئة الطبيعية هو الدافع للتطور الواسع في القانون الدولي لحماية البيئة في العقود القليلة الأخيرة. وأدى هذا التطور للإقرار بمصلحة الدولة في حماية بيئتها الطبيعية من محكمة العدل الدولية، في قضية مشروع جابتشيكوفو- ناجيماروس
Gabćikovo-Nagymaros,
Project case كَـ"مصلحة أساسية" يمكن أن تبرّر تذرّع الدولة بمبدأ "الضرورة" للتخلي عن التزامات دولية أخرى.
[1]وقد أخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعين الاعتبار أهمية البيئة الطبيعية بصفتها هذه، في قرار تم اعتماده في العام 1991، وأكد فيه على مسؤولية العراق، بمقتضى القانون الدولي، عن الإضرار البيئي واستنزاف المنابع الطبيعية نتيجة لغزوه غير الشرعي واحتلاله للكويت.
[2] كما عبّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضاً عن قلقها العميق لتردي البيئة خلال تلك الحرب في قرارات تم اعتمادها في العامين 1991 و1992.
[3] ونتيجة لهذا القلق، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة "يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في الحرب والنزاع المسلح".
[4] كما جرى التعبير عن القلق بشأن الإضرار بالبيئة في يوغوسلافيا والبلدان المجاورة لها من حملة القصف التي قام بها حلف شمال الأطلسي ضد يوغوسلافيا خلال أزمة كوسوفو.
[5]وتنصّ عدة صكوك قانونية دولية على الحاجة لحماية البيئة خلال النزاع المسلح.
[6] كما تبيّن أيضاً بعض كتيّبات الدليل العسكري وبيانات رسمية وممارسة موثقة، الحاجة العامة لحماية البيئة خلال النزاع المسلح.
[7] كما تظهر هذه الحاجة أيضاً من خلال إدانات لتصرفات تسببت بأضرار جسيمة للبيئة في نزاعات مسلحة.
[8] وفي إحالتها قضية
الأسلحة النووية Nuclear Weapons case وكذلك قضية
(منظمة الصحة العالمية) بشأن الأسلحة النووية Nuclear Weapons (WHO) case، إلى محكمة العدل الدولية، أكدت دول كثيرة على أنّ القانون الدولي يقر بأهمية حماية البيئة خلال النزاع المسلح، ولم تقيد نفسها ضمن حدود ما تطلبه المعاهدات المنطبقة تحديداً في النزاع المسلح.
[9] وهناك دليل على أنّ هموماً بيئية أثّرت في التخطيط العسكري خلال حرب الخليج، وقيل إن التحالف كفّ عن هجمات معيّنة بسبب الهموم البيئية.
[10]وعلاوة على ذلك، وجدت محكمة العدل الدولية في
قضية الأسلحة النووية، في العام 1996، أن واجب الدول في أن تكفل احترام الأنشطة التي تقع ضمن صلاحيتها وسيطرتها لبيئة الدول الأخرى، أو المناطق التي تتعدى السيطرة الوطنية، هو جزء من القانون الدولي العرفي.
[11]يمكن الزعم أنّ واجب احترام البيئة يطبّق أيضاً في النزاعات المسلحة غير الدولية إذا كان لها تأثير على بلد آخر. ويستند هذا الزعم إلى إقرار محكمة العدل الدولية بأنّ وقاية التوازن البيئي للدولة هو "مصلحة أساسية"
[12] وقرارها بأنّ واجب الدول في أن تكفل احترام الأنشطة التي تقع ضمن صلاحياتها وسيطرتها لبيئة الدول الأخرى، أو المناطق التي تتعدى السيطرة الوطنية هو جزء من القانون الدولي العرفي.
[13]وهناك دلالات على أنّ هذه القاعدة العرفية يمكن أن تطبّق أيضاً على سلوك الأطراف ضمن الدولة حيث يجري نزاع مسلح. وقد وُجد خلال المفاوضات بشأن البروتوكول الإضافي الثاني بعض الدعم لوضع مشروع قاعدة تعاهدية لهذا الغرض.
[14] وبالرغم من عدم اعتماده في ذلك الحين، فقد أصبح القبول العام لانطباق القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة غير الدولية، منذ العام 1977، أقوى بكثير من ذي قبل. وبالإضافة إلى ذلك، يطبّق الكثير من معاهدات القانون البيئي على سلوك الدولة ضمن أراضيها الخاصة (انظر أدناه). كما أنّ هناك مقداراً معيّناً من ممارسة الدول يشير إلى واجب حماية البيئة الذي يطبّق أيضاً في النزاعات المسلحة غير الدولية، بما في ذلك كتيّبات عسكرية، وبيانات رسمية، والكثير من مرافعات الدول المحالة إلى محكمة العدل الدولية في قضية الأسلحة النووية، والتي تشير إلى واجب حماية البيئة لمصلحة الجميع.
[15]تشير الممارسة إلى أنّ واجب اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتجنب الإضرار العارض بالأعيان المدنية، وفي كل الأحوال، التقليل منه إلى الحد الأدنى (انظر القاعدة 15) يطبّق بالمثل على الإضرار بالبيئة الطبيعية. وتنص "الإرشادات بشأن حماية البيئة زمن النزاع المسلح" على هذا الأمر.
[16] وتدعم كتيّبات عسكرية وبيانات رسمية مبدأ اتخاذ الاحتياطات لتجنب الإضرار بالبيئة أو التقليل منها إلى الحد الأدنى.
[17]وفي العام 1995، طلب المؤتمر الدولي السادس والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر من أطراف النزاع "اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة في عملياتها العسكرية لتجنب كافة الأعمال التي يحتمل أن تعرّض منابع المياه للتدمير أو الضرر".
[18]هناك ممارسة مفادها أنّ قلة الدراية العلمية بالآثار التي تخلفها عمليات عسكرية معيّنة على البيئة، لا تعفي أطراف النزاع من اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة لمنع الأضرار غير الضرورية. وبما أنّ من الضروري تقييم الآثار المحتملة على البيئة خلال التخطيط للهجوم، فإنّ حقيقة الالتزام بوجود شيء من الشك بالنسبة للأثر الكامل الذي يخلفه الهجوم على البيئة يعني أن "المبدأ الوقائي" وثيق الصلة، وبشكل خاص، بمثل هذا الهجوم. وقد اكتسب المبدأ الوقائي في القانون البيئي مزيداً من الإقرار به.
[19] وعلاوة على ذلك، توجد ممارسة مفادها أنّ مبدأ القانون البيئي هذا يطبّق في النزاع المسلح. وفي رأيها الاستشاري في قضية الأسلحة النووية، ذكرت محكمة العدل الدولية أن المبادئ الأساسية التي أقرّتها في قضية التجارب النووية (طلب تفحّص الوضع)، في العام 1995، تطبّق أيضاً على الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية في النزاع المسلح.
[20] وهذا يتضمّن، من بين أمور أخرى، المبدأ الوقائي الذي كان مركزياً في الحجج الواردة في القضية الأخيرة.
[21] وأشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير رفعته في العام 1993 إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن حماية البيئة زمن النزاع المسلح، إلى المبدأ الوقائي كَـ"مبدأ حديث النشأة، إنما مُسلّم به بشكل عام، في القانون الدولي، والغرض منه توقّع ومنع الإضرار بالبيئة، وكفالة ذلك. فحيث تتهدّد البيئة أضرار جسيمة أو أضرار لا يمكن إصلاحها، يجب ألّا تستخدم قلة الدراية العلمية كسبب لتأجيل أية تدابير لمنع هذه الأضرار".
[22] ولم تعارض أية دولة التأكيد على هذا الأمر.
يبدو أن ليس هناك توافق كافٍ في الرأي حول ما إذا كانت معاهدات القانون البيئي تظل منطبقة خلال النزاع المسلح في حين لا توجد إشارة لهذا الأمر في المعاهدات المعنية. وتذكر "الإرشادات بشأن حماية البيئة زمن النزاع المسلح "أنّ القانون الدولي البيئي" يمكن أن يستمر انطباقه في زمن النزاع المسلح إلى الحد الذي لا يتعارض فيه مع قانون النزاع المسلح المنطبق".
[23]وفي رأيها الاستشاري في قضية الأسلحة النووية، لم تعالج محكمة العدل الدولية هذه المسألة بشكل مباشر، إنما ذكرت أن القانون البيئي "يشير إلى عوامل هامة يجب أن تؤخذ بالحسبان، على نحو ملائم، في سياق تنفيذ مبادئ وقواعد القانون المنطبق في النزاع المسلح".
[24] بينما كان للدول القليلة التي حلّلت هذه المسألة في مرافعاتها المحالة للمحكمة في هذه القضية آراء مختلفة.
[25]