القاعدة 106. يُميّز المقاتلون أنفسهم عن السكان المدنيين أثناء مشاركتهم في هجوم أو في عملية عسكرية تحضيرية للهجوم. ولا يكون لهم الحقّ في وضع أسير الحرب إذا لم يقوموا بذلك.المجلد الثاني، الفصل 33، القسم أ.
تكرّس ممارسة الدول هذه القاعدة كإحدى قواعد القانون الدولي العرفي المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية.
إنّ شرط وجوب تمييز المقاتلين لأنفسهم عن السكان المدنيين قاعدة قديمة العهد في القانون الدولي العرفي، تم إقرارها في إعلان بروكسيل، ودليل أكسفورد، ولائحة لاهاي.
[1] كما جرى تقنينها في ما بعد في اتفاقية جنيف الثالثة والبروتوكول الإضافي الأول.
[2] وينصّ العديد من كتيّبات الدليل العسكري على وجوب تمييز المقاتلين لأنفسهم عن السكان المدنيين.
[3] ومنها كتيّبات دول ليست، أو لم تكن في حينها، أطرافاً في البروتوكول الإضافي الأول.
[4] كما يدعم عدد من البيانات الرسمية وممارسة أخرى هذا الواجب.
[5]وتذكر لائحة لاهاي واتفاقية جنيف الثالثة أنّ أفراد القوات المسلحة النظامية يتمتعون بوضع أسير الحرب، في حين يُطلب من أفراد الميليشيات والوحدات المتطوعة أن يستوفوا شروطاً أربعة من أجل الإفادة من هذا الوضع.
[6] ويفرض البروتوكول الإضافي الأول تمييز كافة أفراد القوات المسلحة، النظامية أو غير النظامية، لأنفسهم عن السكان المدنيين.
[7] وبالرغم من عدم ورود نصّ في لائحة لاهاي واتفاقية جنيف الثالثة، إلاّ أنّ من الواضح أنّ على أفراد القوات المسلحة النظامية أن يُميّزوا أنفسهم عن السكان المدنيين أثناء قيامهم بعملية عسكرية. ويعترف البروتوكول الإضافي الأول بـ"عمل الدول المقبول في عمومه بشأن ارتداء الزي العسكري بمعرفة مقاتلي طرف النزاع المعينين في الوحدات الوحدات النظامية ذات الزي الخاص"،
[8] مع أنّ البروتوكول، كما لائحة لاهاي واتفاقية جنيف الثالثة، لا يجعل من هذا الأمر شرطاً واضحاً للتمتع بوضع أسر الحرب.
وتشير عدة كتيّبات من الدليل العسكري إلى أنّ واجب المقاتلين في تمييز أنفسهم لا يشكّل مشكلة للقوات المسلحة النظامية لأنّه من "العرف" أو "العادة" أن يرتدي أفراد هذه القوات الزيّ العسكري كعلامة مميّزة.
[9]وإذا لم يرتد أفراد القوات المسلحة النظامية الزيّ العسكري، يعرّضون أنفسهم لأن يتهموا بكونهم جواسيس أو مخرّبين.
[10] وفي قضية سواركا في العام 1974، وجدت محكمة عسكرية إسرائيلية أنّ أفراداً من القوات المسلحة المصرية، كانوا قد تسللوا إلى الأراضي الإسرائيلية وشنّوا هجوماً وهم مرتدون زياُ مدنياً، أنهم لا يتمتعون بوضع أسرى الحرب، ويمكن محاكمتهم على أنهم مخرّبون. وقد ارتأت المحكمة أنّ من غير المنطقي الموافقة على كون تمييز المقاتلين أنفسهم عن المذنبيين واجباً ينطبق على القوات المسلحة غير النظامية فحسب، ولا ينطبق على القوات النظامية، كما زعم المدعى عليهم.
[11]تشير ممارسة الدول إلى أنه، ومن أجل أن يُميّز المقاتلون أنفسهم عن السكان المدنيين، عليهم أن يرتدوا زيّاً عسكرياً أو علامة مميزة، وأن يحملوا سلاحهم بشكل علني. وعلى سبيل المثال، ينصّ دليل ألمانيا العسكري على أنه:
وفقاً لممارسة الدول المتفق عليها عموماً، على أفراد القوات المسلحة النظامية أن يرتدوا زيّهم العسكري، كما أنّ على المقاتلين الذين ليسوا أفراداً من قوات مسلحة ترتدي زيّاً عسكرياً، أن يرتدوا علامة مميّزة دائمة يمكن التعرف عليها عن بُعد، وأن يحملوا سلاحهم علناً.
[12]ويذكر كرّاس القوات الجوية للولايات المتحدة أنّ الزيّ العسكري يكفل تمييز المقاتلين بوضوح، ولكن "جزءاً من الزيّ العسكري يكفي، شريطة أن يؤدي للتمييز بوضوع بين المقاتل والمدني".
[13] وف قضية قاسم في العام 1969، وجدت المحكمة العسكرية الإسرائيلية في رام الله أن المدعى عليهم أوفوا بضرورة تمييز أنفسهم بشكل وافٍ بارتدائهم قبّعات مرقطة وثياباً خضراء، وهذه ثياب لم يكن من عادة سكان المنطقة، حيث ألقي القبض عليهم، أن يرتدوها.
[14]وفي ما يتعلق بحمل سلاح علناً، يشير كرّاس القوات الجوية للولايات المتحدة إلى أنه لا يتّم الإيفاء بهذا الشرط "بحمل أسلحة مخبأة في متناول الشخص، أو إذا أخفى الأفراد أسلحتهم عند اقتراب العدو".
[15] وفي قضية
قاسم، وجدت المحكمة أن شرط حمل السلاح علناً لا يكون مستوفي في حال حمل الشخص سلاحه علناً حيث لا يمكن رؤيته، ولا بمجرّد حمله السلاح خلال اشتباك عدائي. وحقيقة أنّ المدّعى عليهم استخدموا أسلحتهم في خلال المواجهة مع الجيش الإسرائيلي ليست أمراً حاسماُ، إذ لم يكن معلوماً أنّ بحوزتهم سلاحاً إلى أن بدأوا بإطلاق النار على الجنود الإسرائيليين.
[16]يٌعتبر المشاركون في هبّة شعبية، أي سكان بلد لم يتمّ احتلاله بعد، والذين حملوا لسلاح بشكل تلقائي، عند اقتراب العدو، من أجل مقاومة القوات الغازية، ودون أن يتوفر لهم الوقت لتنظيم أنفسهم في قوة مسلحة، مقاتلين يتمتعون بوضع أسرى الحرب إذا حملوا السلاح علناً واحترموا القانون الدولي الإنساني. وهذه قاعدة قديمة العهد في القانون الدولي العرفي، تم إقرارها في مدونة ليبر، وإعلان بروكسيل، ولائحة لاهاي.
[17] وترد أيضاً في اتفاقية جنيف الثالثة.
[18]وفي حين يمكن اعتبار هذا الاستثناء محدود التطبيق حالياً، إلاّ أنّه ما زال يتكرر في كثير من كتيّبات الدليل العسكري، بما فيها كتيّبات حديثة العهد، ولذلك يستمر اعتباره إمكانية صالحة للتطبيق.
[19]وفقاً للبروتوكول الإضافي الأول، هناك مواقف في النزاع المسلح حيث، ونظراً لطبيعة العمليات العدائية، "لا يملك فيها المقاتل المسلح أن يُميّز نفسه" عن السكان المدنيين بينما يكون مشاركاً في هجوم أو في عملية عسكرية تحضيرية للهجوم، يبقى محتفظاً بوضعه كمقاتل، شريطة أن يحمل سلاحه علناً:
أثناء أيّ اشتباك عسكري،
وطوال ذلك الوقت الذي يبقى خلاله مرئياً للخصم على مدى البصر، أثناء انشغاله بتوزيع القوات في مواقعها استعداداً للقتال، قبيل شنّ هجوم عليه أن يشارك فيه.
[20]وكانت هذه القاعدة موضع نقاش حاد في المؤتمر الدبلوماسي الذي أدى إلى اعتماد البروتوكولين الإضافيين، ونتيجة لذلك، تم قبول المادة 44 بصالح 73 صوتاً، ومعارضة صوت واحد، وامتناع 21 عن التصويت.
[21] وقد عبّرت الدول الممتنعة عن التصويت، وبشكل عام، عن قلقها من التأثير السلبي قد يُحدثه هذا الحكم على السكان المدنيين. وذكرت المملكة المتحدة، على سبيل المثال، أن "أيّ إخفاق في التمييز بين المقاتلين والمدنيين يمكن أن يعرّض المدنيين فقط للخطر. ويمكن أن يصبح ذلك الخطر أمراً غير مقبول إلاّ إذا تمّ تفسير مُرضٍ لبعض الأحكام".
[22] وفي غضون ذلك، صدّقت جميع الدول الممتنعة عن التصويت، ما عدا دولتين، على البروتوكول الإضافي الأول، ودون أيةّ تحفظات بهذا الشأن.
[23]وانسجاماً مع ضرورة الوصول إلى تفسير مُرضٍ، حاولت دول كثيرة أن توضح معنى هذا الاستثناء وأن تضع، وبشكل واضح، حدوداً له. وأتت هذه الحدود في ثلاثة أجزاء.
أولاً: أشار الكثير من الدول إلى أنّ هذا الاستثناء محصور في أوضاع حيث حركات المقاومة المسلحة منظمة، أي في الأراضي المحتلة أو في حروب التحرير الوطنية.
[24] وثانياً: أشارت دول كثيرة إلى أنّ مصطلح "توزيع" يعني أيّة حركة باتجاه مكان سيشنّ منه الهجوم.
[25] وثالثاً: أشارت أستراليا، وبلجيكا، ونيوزيلندا، علاوة على ذلك، إلى أنّ عبارة "مرئي" تتضمّن الرؤية لا بالعين المجردة فحسب، بل أيضاً بمساعدة وسائل تقنيّة.
[26] غير أن مصر، تدعمها الإمارات العربية المتحدة، ذكرت في المؤتمر الدبلوماسي الذي أدى إلى اعتماد البروتوكولين الإضافيين أنّ عبارة "توزيع القوات" تعني "الخطوة الأخيرة التي يقوم بها المقاتلون في أخذ مواقعهم لإطلاق النار قبل البدء في العمليات العدائية؛ وعلى المشارك في حرب عصابات أن يحمل سلاحه علناً فقط عندما يصبح في نطاق الرؤية الطبيعية من قبل عدوّه".
[27] أمّا الولايات المتحدة التي صوّتت في المؤتمر الدبوماسي لصالح المادة 44 من البروتوكول الإضافي الأول، فقد أوضحت أنّ الاستثناء خصّص بشكل واضح:
ليكفل أنّه لا يجوز لمقاتلين، خلال مشاركتهم في عمليات عسكرية تحضيرية لهجوم، أن يستخدموا إخفاقهم في أن يُميّزوا أنفسهم عن المدنيين كعنصر مفاجأة في الهجوم. كما يخسر المقاتلون الذين يستخدمون مظهرهم كمدنيين في هذه الظروف من أجل السماعدة في الهجوم، وضعهم كمقاتلين.
[28]غير أنّ الولايات المتحدة عادت وبدّلت موقفها وأعلنت معارضتها لهذه القاعدة.
[29] كما صوتّت إسرائيل ضد المادة 44 من البروتوكول الإضافي الأول لأن "الفقرة الثالثة" يمكن تفسيرها على أنها تسمح للمقاتل بألاّ يُميّز نفسه عن السكان المدنيين، الأمر الذي يعرّض المدنيين للخطر ويخالف روح القانون الإنساني وأحد مبادئه الأساسية.
[30]وكما ينصّ البروتوكول الإضافي الأول، فإنّ المقاتلين الذي لا يُميّزون أنفسهم، ولا يتمتعون نتيجة لذلك بوضع أسرى الحرب (والذين لا يفيدون من معاملة أفضل وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة)، يحقّ لهم، على الأقلّ، التمتع بالضمانات الأساسية الواردة في الفصل 32، بما في ذلك الحقّ في محاكمة عادلة (انظر القاعدة 100).
[31]