القاعدة 1. مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين.
القاعدة 1. يميّز أطراف النزاع في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وتوجّه الهجمات إلى المقاتلين فحسب، ولا يجوز أن توجّه إلى المدنيين.المجلد الثاني، الفصل الأول، القسم أ
تكرّس ممارسة الدول هذه القاعدة كإحدى قواعد القانون الدولي العرفي المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وتوجد علاقة متبادلة بين المكوّنات الثلاثة لهذه القاعدة، كما أن الممارسة الخاصة بكل منها تعزّز شرعية المكوّنات الأخرى. ويُستخدم مصطلح المقاتل في هذه القاعدة بمعناه العام، للدلالة على الأشخاص الذين لا يتمتعون بالحماية الممنوحة للمدنيين ضد الهجمات، لكنه لا ينطوي ضمناً على الحق بوضع المقاتل أو وضع أسير الحرب (انظر الفصل 33). وتُقرأ هذه القاعدة مقرونة بحظر الهجوم على الأشخاص المعروف بأنهم عاجزون عن القتال (انظر القاعدة 47) وبالقاعدة التي تنص على أن المدنيين محميون ضد الهجمات ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية وعلى مدى الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور (انظر القاعدة 6).
تجري مناقشة اقتصاص المتحاربين ضد المدنيين في الفصل 41.
ورد مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين للمرة الأولى في إعلان سان بطرسبورغ الذي ينص على أن "الهدف المشروع الوحيد الذي يتعين على الدول أن تسعى إلى تحقيقه أثناء الحرب هو إضعاف القوات العسكرية للعدو".[1] ولا تنص لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية في حد ذاتها على وجوب التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ولكن المادة 25، التي تحظر "مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية أو المباني المجردة من وسائل الدفاع أياً كانت الوسيلة المستعملة" تستند إلى هذا المبدأ.[2] أما الآن، فمبدأ التمييز مقنّن في المواد 48، 51(2) و52(2) من البروتوكول الإضافي الأول، والتي لم يسجل عليها أية تحفظات.[3] وبحسب البروتوكول الأول، تعني "الهجمات" "أعمال العنف الهجومية والدفاعية ضد الخصم".[4]وفي المؤتمر الدبلوماسي الذي أدى إلى اعتماد البروتوكولين الإضافيين، أعلنت المكسيك أنّ المادتين 51 و52 من البروتوكول الإضافي الأول أساسيتان جداً بحيث "لا يمكن أنّ تكونا موضع أية تحفظات البتة، وأنّ أية تحفظات ستتعارض مع الهدف والغاية من البروتوكول الأول وتقوّض أساسه".[5] كما أعلنت المملكة المتحدة في المؤتمر الدبلوماسي ذاته أنّ المادة 51(2) هي "إعادة تأكيد قيّمة" لقاعدة موجودة في القانون الدولي العرفي.[6]ويرد حظر توجيه الهجمات ضد المدنيين أيضاً في البروتوكول الثاني، وفي صيغة البروتوكول الثاني المعدّلة، وفي البروتوكول الثالث من الاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معينة، وفي اتفاقية أوتاوا التي تحظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد.[7] بالإضافة إلى ذلك، وبمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن "تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، بصفتهم هذه، أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال الحربية" يشكّل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.[8]ويشترط العديد من كتيّبات الدليل العسكري، بما فيها الكتيّبات الخاصة بدول ليست، أو لم تكن في حينه، أطرافاً في البروتوكول الإضافي الأول، وجوب التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وحظر توجيه الهجمات ضد المدنيين.[9] ويعتبر دليل السويد بشأن القانون الدولي الإنساني مبدأ التمييز كما جاء في المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي.[10] إلى ذلك، نجد العديد من الأمثلة في تشريعات وطنية تجعل من توجيه الهجمات ضد المدنيين جرماً جنائياً، بما في ذلك تشريعات دول ليست، أو لم تكن في حينه، أطرافاً في البروتوكول الإضافي الأول.[11]وفي "قضية قاسم" في العام 1969، اعترفت المحكمة العسكرية الإسرائيلية في رام الله بحصانة المدنيين ضد الهجمات المباشرة كإحدى القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني.[12]وبالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من البيانات الرسمية التي تستشهد بهذه القاعدة، ومنها بيانات لدول ليست، أو لم تكن في حينه، أطرافاً في البروتوكول الإضافي الأول.[13]كما استشهدت بهذه القاعدة أطراف في البروتوكول الإضافي الأول ضد جهات ليست أطرافاً فيه.[14]وفي مرافعاتها أمام محكمة العدل الدولية في قضية الأسلحة النووية، استشهدت دول كثيرة بمبدأ التمييز.[15]وذكرت هذه المحكمة في رأيها الاستشاري في قضية الأسلحة النووية أنّ مبدأ التمييز هو أحد "المبادئ الرئيسة" في القانون الدولي الإنساني وأحد "مبادئ القانون الدولي العرفي التي لا يجوز انتهاكها".[16]وعندما ناشدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أطراف النزاع في الشرق الأوسط، في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1973، أي قبل أن يُعتمد البروتوكول الإضافي الأول، احترام التمييز بين المدنيين والمقاتلين، جاءت ردود الدول المعنية بذلك (مصر والعراق وإسرائيل وسوريا) إيجابية.[17]تحظر المادة 13(2) من البروتوكول الإضافي الثاني جعل السكان المدنيين، بصفتهم هذه، وكذلك الأفراد المدنيين محلاً للهجوم.[18] كذلك تشتمل الصيغة المعدلة للبروتوكول الثاني من الاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معينة حظراً على توجيه الهجمات ضد المدنيين.[19] ويرد مبدأ التمييز أيضاً في البروتوكول الثالث من الاتفاقية ذاتها، والتي أصبحت تنطبق في النزاعات المسلحة غير الدولية تبعاً لتعديل في المادة الأولى منها تم اعتماده بالإجماع في العام 2001.[20] كما جاء في اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد أنّ الاتفاقية تستند، من جملة أمور أخرى، إلى "المبدأ الذي يوجب التمييز بين المدنيين والمقاتلين".[21]وبمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن "تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، بصفتهم هذه، أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال الحربية" يشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية.[22] وترد هذه القاعدة أيضاً ضمن صكوك قانونية أخرى تتعلق أيضاً بالنزاعات المسلحة غير الدولية.[23]وتنص كتيّبات الدليل العسكري التي تنطبق، أو التي جرى تطبيقها، في النزاعات المسلحة غير الدولية على وجوب التمييز بين المقاتلين والمدنيين، بما يعني أنه يجوز مهاجمة المقاتلين فقط.[24] وبمقتضى تشريعات العديد من الدول، فإنّ توجيه الهجمات ضد المدنيين يشكّل جرماً.[25] ويوجد عدد من البيانات الرسمية المتعلقة بنزاعات مسلحة غير دولية التي تستشهد بمبدأ التمييز وتدين الهجمات الموجهة ضد المدنيين.[26] وقد صيغت إحالة الدول لقضية الأسلحة النووية إلى محكمة العدل الدولية، المشار إليها أعلاه، بعبارات عامة تنطبق في جميع النزاعات المسلحة.ولم يعثر على أية ممارسة رسمية مناقضة في ما يتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، وأحياناً يعبّر عن هذه القاعدة بعبارات أخرى، وبشكل خاص، كمبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين. ووفقاً لهذا المبدأ، تشمل فئة غير المقاتلين المدنيين الذين لا يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية.[27]وجرت إدانات من دول لانتهاكات مزعومة لهذه القاعدة بشكل عام، بغضّ النظر إن كان النزاع دولياً أم غير دولي.[28] كذلك، أدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو ناشد وقف، الهجمات المزعومة ضد المدنيين في سياق نزاعات عديدة، دولية وغير دولية، بما فيها النزاعات التي جرت في أفغانستان، أنغولا، أذربيجان، بوروندي، جورجيا، لبنان، ليبيريا، رواندا، سيراليون، الصومال، طاجيكستان، يوغوسلافيا السابقة، والأراضي التي تحتلها إسرائيل.[29]وفي مرحلة مبكرة، في العام 1938، أعلنت الجمعية العامة لعصبة الأمم أن "القصف العمد للسكان المدنيين غير شرعي".[30] كما أكّد المؤتمر الدولي العشرون للصليب الأحمر في العام 1965، وجوب التزام الحكومات والسلطات الأخرى المسؤولة عن العمل العسكري في جميع النزاعات المسلحة بحظر شن الهجمات ضد السكان المدنيين.[31] ومن ثمّ، نصّ قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، أُقرّ في العام 1968، بشأن احترام حقوق الإنسان في النزاعات المسلحة، على انطباق مبدأ التمييز في جميع النزاعات المسلحة.[32] كما تطلب خطة العمل للسنوات 2000-2003، التي اعتمدها المؤتمر الدولي السابع والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر في العام 1999، من جميع الأطراف في النزاعات المسلحة احترام "الحظر الكلّي على توجيه الهجمات ضد السكان المدنيين، بصفتهم هذه، أو ضد المدنيين الذين لا يقومون بدور مباشر في العمليات العدائية".[33] وقد أعاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قرار اعتمده في العام 2000 بشأن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، تأكيد إدانته الشديدة للهجمات المتعمدة على المدنيين في جميع حالات النزاعات المسلحة.[34]كما أنّ اجتهادات محكمة العدل الدولية في قضية الأسلحة النووية، واجتهادات المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وخاصةً في قضية تاديتش، وقضية مارتيتش، وقضية كوبريسكيتش، واجتهادات اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان في القضية المتعلقة بالأحداث التي وقعت في لاتابلادا في الأرجنتين، توفر دليلاً إضافياً على أنّ واجب التمييز بين المدنيين والمقاتلين عرفيّ في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.[35]