القاعدة 146. تحظر أعمال الاقتصاص الحربي من الأشخاص الذين تحميهم اتفاقيات جنيف.المجلد الثاني، الفصل 41، القسم ج.
تكرّس ممارسة الدول هذه القاعدة كإحدى قواعد القانون الدولي العرفي المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية.
تحظر اتفاقيات جنيف الاقتصاص الحربي ضد الأشخاص الخاضعين لسلطة طرف في النزاع، بمن فيهم الجرحى، والمرضى، والغرقى، وأفراد الخدمات الطبية والدينية، والمقاتلين الأسرى، والمدنيين في أرض محتلة، والفئات الأخرى من المدنيين الخاضعين لسلطة خصم من أطراف النزاع.
[1] ويرد هذا الحظر أيضاً في العديد من كتيّبات الدليل العسكري.
[2] كما يرد في تشريعات عدة دول.
[3] وتدعمه بيانات رسمية وممارسة موثقة.
[4]ورد التوجه لحظر الاقتصاص من المدنيين خلال سير العمليات العدائية في قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة تم اعتماده في العام 1970، وأكّدت فيه على المبدأ الذي يفيد أنه "لا يجوز أن يكون السكان المدنيون، أو الأفراد المدنيون، محلاً للاقتصاص"، كمبدأ أساسي لحماية السكان المدنيين في النزاعات المسلحة.
[5]وجرى تقنين حظر الاقتصاص من المدنيين خلال سير العمليات العدائية في المادة 51 (6) من البروتوكول الإضافي الأول.
[6] كما نجده في النصّين، الأصلي والمعدل، للبروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة الذي ينظّم استخدام الألغام الأرضية، والأشراك الخداعية، والنبائط الأخرى.
[7] وفي الفترة التي تم فيها اعتماد البروتوكولين الإضافيين، فإنّ حظر الاقتصاص الوارد في المادة 51 (6) من البروتوكول الإضافي الأول كان قاعدة جديدة. وفي التصويت على المادة 51 بكاملها، صوتت فرنسا ضدها وامتنعت 16 دولة عن التصويت.
[8] ومن الدول الـ16 التي امتنعت عن التصويت، أصبحت 10 منها بعد ذلك أطرافاً في البروتوكول الإضافي الأول دون تسجيل أية تحفظات.
[9] ومع ذلك، هناك ثلاث دول لم تصدّق على البروتوكول الإضافي الأول، وهي إندونيسيا، وماليزيا، والمغرب، لكنها تدعم حظر الاقتصاص من المدنيين بشكل عام.
[10]ونتيجة لذلك، فقد التزمت الغالبية العظمى من الدول بألاّ تجعل من المدنيين محلاً للاقتصاص. ومع أنّ الممارسة لصالح حظر محدد لاستخدام الاقتصاص من جميع المدنيين منتشرة ونموذجية إلاّ أنها ليست منتظمة بعد. وقد أشارت الولايات المتحدة، التي ليست طرفاً في البروتوكول الإضافي الأول، وفي عدة مناسبات، إلى أنها لا تقبل حظراً تاماً، مع أنها صوتت لصالح المادة 51 من البورتوكول الإضافي الأول، وصدّقت على البروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة دون أن تسجل تحفظاً على حظر الاقتصاص من المدنيين الوراد فيه.
[11] كما صوتت المملكة المتحدة أيضاً لصالح المادة 51، ولكن عندما أصبحت طرفاً في البروتوكول الإضافي الأول، سجلت تحفظاً على المادة 51 التي تضع قائمة شروط صارمة على اللجوء إلى الاقتصاص من مدنيي الخصم.
[12] وقد صدّقت أيضاً على البروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة دون أن تسجل تحفظاً على حظر الاقتصاص من المدنيين الوارد فيه. وعند التصديق على البروتوكول الإضافي الأول، سجلت مصر، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا أيضاً إعلانات في ما يتعلق بالمواد التي توفر حاية للسكان المدنيين، لكن موقفها بقى يكتنفه الغموض، إذ أنها أشارت إلى أنّها سترد على الانتهاكات الخطيرة والمتكررة، بوسائل يسمح بها القانون الدولي من أجل منع انتهاكات إضافية
[13]وفي العودة إلى ما شرعي بموجب القانون الدولي، تثير هذه الإعلانات السؤال في ما إذا كان الاقتصاص من المدنيين مشروعاً أم لا. وتساعد الممارسة اللاحقة لهذه الدول في تقييم موقفها الحالي بخصوص مسألة الاقتصاص من المدنيين.
وعند الصديق على البروتوكول الإضافي الأول، دعمت مصر بقوة حظر الاقتصاص من المدنيين. وفي وقت أكثر حداثة، ذكرت في مرافعاتها أمام محكمة العدل الدولية في قضية
الأسلحة النووية، انها تعتبر هذا الحظر عرفياً.
[14] وتحظر كتيّبات حديثة من الدليل العسكري لفرنسا وألمانيا الاقتصاص من المدنيين، وتورد نص المادة 51 (6) من البروتوكول الإضافي الأول.
[15] غير أنّ دليل إيطاليا للقانون الدولي الإنساني يؤيد إمكانية ضيقة للاقتصاص من المدنيين، بعبارات عامة تذكر أنه "لا يجوز أن يوجه الاقتصاص ضد السكان المدنيين، إلاّ في حال الضرورة المطلقة".
[16]والممارسة الأخرى الجديرة بالاعتبار تتمثل في سلسلة أعمال الاقتصاص التي قامت بها إيران والعراق، وكل منهما ليسا طرفين في البروتوكول الإضافي الأول، على مدن الطرف الآخر. وفي بيانات للصحافة، في العامين 1983 و1984، ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أه لا يجوز أن يكون المدنيون محلاً للاقتصاص، وناشدت إيران والعراق وقف قصف المدنيين.
[17] وفي العام 1984، ذكر الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة وجهها إلى رئيسي إيران والعراق، أنّه "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتغاضى عن الهجمات المتعمدة على المناطق المدنية". وأضاف أنّ عمليات الاقتصاص، والاقتصاص المضاد، نتج عنها خسائر في ارواح السكان المدنيين ومعاناة لهم، وأنه "لمن الملحّ أن يتوقف ذلك فوراً".
[18] وفي بيان رئاسي في العام 1986، أسف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشدة "لانتهاك القانون الدولي الإنساني وقوانين أخرى للنزاعات المسلحة" وعبّر عن "قلقه العميق لتوسيع النزاع من خلال تصعيد الهجمات على أهداف مدنية صرفة".
[19] وفي العام 1987، برّرت كل من إيران والعراق، في رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، هجماتها على مدن الطرف الآخر، على أنها تدابير انتقامية محدودة لإيقاف الهجمات التي يقوم بها الطرف الخصم.
[20] وفي العام 1988، وفي بيان رئاسي آخر، أسف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقوة "لتصعيد العمليات العدائية ... وعلى الأخص الهجمات ضد الأهداف المدنية والمدن، "وذكر أن" أعضاء مجلس الأمن يُصر على أن توقف إيران والعراق كافة هذه الهجمات فوراً، وأن تكفّ حالاً عن جميع الأعمال التي تؤدي إلى تصعيد النزاع".
[21] ومع أنّ بياني مجلس الأمن لم يستخدما صراحة مصطلح "الاقتصاص"، إلاّ أنّ البارز فيهما إدانة تصعيد الهجمات على المدنيين. وقد أتى البيان الثاني بعدما أرسلت إيران والعراق رسائل تبرّر الأسس التي قامت عليها أعمال الاقتصاص المتخذة، ومما ينمّ عن عدم قبول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحجج الطرفين.
أما تاريخياً، فقد كانت أعمال الاقتصاص تنحو باتجاه يؤدي إلى تصعيد الهجمات على المدنيين بدلاً من وقفها، وهذه حقيقة ورد التعليق عليها في عدة كتيّبات من الدليل العسكري.
[22] وكما يوضح الدليل البحري للولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال، {توجد دائماُ مخاطرة بأن يجر [الاقتصاص] تصعيداً انتقامياً (اقتصاص مضاد) من العدو. وتاريخياً، فقد كانت الولايات المتحدة مترددة في اللجوء إلى الاقتصاص لهذا السبب فقط}.
[23]فأعمال إنفاذ القانون المبنية على مهاجمة المدنيين الذي لا يشاركون بشكل مباشر في العمليات العدائية لا تتناسب مع تطور قانون حقوق الإنسان ولا مع الأهمية المعطاة للحق في الحياة. وبالإضافة إلى ذلك، ومنذ الحرب العالمية الثانية، فقد أقرّ كل من قانون حقوق الإنسان و القانون الدولي الانساني بأنّ المدنيين الذين لا يشاركون بشكل مباشر في العمليات العدائية لا يمكن تحميلهم المسؤولية عن انتهاكات حكوماتهم للقانون الدولي، وبالتالي لا يجوز أن يكونوا محلاً للهجوم (انظر القاعدة 1) ولا للعقوبات الجماعية (انظر القاعدة 103).
وبسبب الممارسة المناقضة الموجودة، ولو أنها محدودة جداً، فمن الصعب الاستنتاج أنّ قاعدة عرفية قد تبلورت، تحظر، وبشكل محدد، الاقتصاص من المدنيين خلال سير العمليات العدائية. غير أنّ من الصعب أيضاً الجزم بأنّ هناك حقاً ما زال قائما في اللجوء إلى مثل هذا الاقتصاص، بناء على قوة الممارسة لعدد محدود فقط من الدول، مع العلم أنّ بعض هذه الممارسة يكتنفه الغموض أيضاً. ولذا، يبدو على الأقل، أنّ هناك منحى لصالح حظر مثل هذا الاقتصاص. وقد وجدت المحكمة الجنائية الدولية لوغوسلافيا السابقة في مراجعتها للائحة الاتهام في قضية
مارتيتش في العام 1996، وفي حكمها في قضية
كوبريسكيتش في العام 2000، أنّ مثل هذا الحظر كان موجوداً في السابق، ويستند بشكل كبير على ضرورات الإنسانية أو الضمير العام.
[24] وهذه مؤشرات هامة تتماشى مع مجموعة ممارسة أساسية تدين الآن مثل هذا الاقتصاص أو تعتبره غير مشروع.